كتبت

حكايا شتاء 2

فتحت عيني ببطء ، ليس كسلاً بقدر ماهو شعور حقيقي بثقل أجفاني وحرارتها ، وضعت يدي على جبيني ، آآآوتش ساخن ككوب قهوة قارب على البرودة !  كنت أشعر بإعياء بسيط ليلة أمس ، لم أتوقع أن يتفاقم الأمر إلا هذا الحد ! ، تحركت من فراشي بثقلٍ وأنا أشعر بشيء أشبه بـ كرة قاسية تتحرك في حلقي ، أوووه ما هذا أيضاً حمى وألتهاب و .. ” آآآآآتشو ” ، وأكتملت اللوحة الفنية ! لالا ، لا بد أن أعلن حالة الطواريء ، الأمر يسير بشكلٍ جدي !

مشيت ببطء نحو الصالة بعدما بدلت ملابسي وهممت بالخروج ،  دخلت بهدوء وكلي كسلٌ حتى في إلقاء السلام ..

– صباح الخير ! بدري ؟  مو بالعادة كل هالنوم !

صوت ثانٍ يكمل :

– من جد وينك من أمس عايش بعالم ثاني !

ويأتي دور والدتي التي تكتفي بإرسال إبتسامة من وجهها البشوش نحوي ، أجيبهم بصوتٍ حزين بئيس يخرج من حنجرة مصابة بإلتهاب مع تعابير وجه تراجيدية وأنفٍ قارب على الإحمرار ، وكأني أقف على مسرح ممسكاً المايك بيدي أمام جمهورٍ غفير :

– غديت طفلـن ضايعـن فيه عبره .. ومحدن سأل وش فيه ماقاااال لا باااس

– لاااااا خلاص أرجوووك ستوب ستوب … لا تشوه الشي الجميل هذا بصوتك الأليم ! أعتزل تكفى ..

– أنتي يحصل لك أصلاَ ! أجل من أمس تعبان ومنهد حيلي ومحد يدري عني : (

وكما توقعت ،  اندفعت والدتي بسيل من الكلمات التي كنت أنتظرها وأتصنع المشهد التراجيدي قبل قليل من أجل الإستمتاع بسماعها :

– بسم الله عليك وش بك ؟ مرتفعة حرارتك ؟ وراه ماقلت لي أمس وانا أمك أسوي لك زنجبيل وأجيب لك موية مقري فيها..

وظلت والدتي تتحدث لدقائق لم ألتقط كل كلمة قالتها ، كان يكفيني فقط أن أشعر أنها تتحدث الآن عني بخوف وحرص ! ، رغم أني أصبحت رجلاً لكني لازلت كطفلٍ لا يشبعه حنان أمه مهما كان مقداره ، لايرضي كبرياءه سوى دلالها الزائد ” حبتين ” !

قبلتها على رأسها بعدما أعطتني جرعة كلامٍ أرضى غروري وزادني تصنعاً للألم أمام أخوتي الذين ما أنفكوا يسخرون من عطساتي المتوالية ، ركبت سيارتي وقدتها ببطء نحو المستشفى لأتخلص من هذا الزكامالزحام  الذي يتلبسني …

” ألحين الي يقعد بأنتظار مستشفى يستنى ينادون أسمه ويكون حاط الآي بود ومنزل راسه شلون بيسمع أسمه بالله ! ”

كنت أتأمل أحدهم حين كتبت هذه العبارة بأصابعي التي أدمنت أحرف البلاك بيري ثم رميته بتكاسل على المقعد المجاور لي وأسندت رأسي للجدار وأنا أسمع أصواتاً مختلفة مابين ” أحممم ” و ” آتشوووو” و صوت ممرضة تنادي بأسماء كـ  ” موهمد ” و ” كالد” ممتزجة بصوت المصعد الذي يعلن وصوله للدور الأرضي في قسم الطواريء بمستشفى ” دله ” ..

– Beautiful nose

قالها لي العامل الذي أقترب مني ليعقم الأرضية ..

– excuse me ! are you kidding me

قلتها بتهكم وأنا أنظر إليه بنصف عين ورأسي لازال مسنداً على الجدار

– No sir !! I’m serious

–    Thank you thank you , I know… It’s beautiful ..  😀  I know

قلتها بمزاح وشيء من ثقة وأنا أغفر لأنفي أحمراره الغير مرغوب هذا !

سحبت المنديل العاشر وأصابع يدي الأخرى مشغولة بالـ BB ، كتبت بكل ثقة ” قايل لكم من زمان خشمي حلو ! “، عطست للمرة المليون ، اعدت النظر إلى الشاشة وكتبت للمرة المليون ” آآآآتشووو” وتوالت على شاشتي للمرة المليون ” يرحمك الله ” ! ، تدخل الممرضة ونظراتي نحو حركة شفتيها أنتظرها أن تنطق بـ ” موهمد ” لعله يكون أنا ، لكنها تبدع في أسمٍ آخر فأتململ وأتراخى مجدداً على كرسيي حتى مضى قرابة الساعتين بدأ خلالهما جسمي يتراخى شيئاً فشيئاَ ويستسلم للحمى أكثر ، أصبحت أرتجف قليلاً ! ، أشعر بوهن فظيع ، أتألم من أي شيء يصدم بجسدي حتى لو كان شيئاً صغيراً بحجم الأصبع ! ، وحرارة فظيعة تملأ أجفاني كلما حركتها !

مشيت ببطء نحو الجهة المقابلة  حيث يقبع  د.كيف في الطرف الآخر من الطواريء ، أخذت كوب قهوتي وعدت أدراجي ويدي الأخرى وعيناني مشغولتان بجهازي ، مشيت حتى كدت أقترب نحو الطرف الآخر و .. ينفتح باب الطواريء وسريران يندفعان أمامي فجأة وسط أصوات المسعفين المتداخلة الذين تناثروا خارجين من سيارة الأسعاف، أحد السريرين يحمل شخصاً فاقد الوعي غارقاً في دماءه والآخر يحمل شخصاً يأن بألم وقدمه تنزف بغزارة ، ضحايا حادث سير بلا شك ! ، تبعهما أمرأة  ورجل يركضان خلف السريرين ، مع شيء من بكاءٍ وأصواتٍ عالية ، تماماً كما في المسلسلات الخليجية ! ، عدت خطوتين للوراء حتى لا أقف عثرة في وجه السريرين القادمين بقوة من جهة الباب ، كنت مذهولاً من هول المنظر ، أرتجف ومرتبك و “آآآآآح” سقط الكوب من يدي ، لا أدري لمِ سقط بهذه السهولة هل لأني كنت أنتفض بشدة من الحمى لا أقدر على حمل نفسي ونسمة الهواء تسقط من يدي أخف الأشياء ، ام لأن السرير الذي مر بلحظة من أمامي أعاد لي ذكرى يومٍ سيء كنت فيه مثل ذلك الرجل الملون بدمائه فارتجفت لهول الذكرى وسقط الكوب ، أم لأن باب الطواريء حين انفتح أدخل معه هواء الرياض البارد  الذي كان يصارع الزجاج في الخارج فانتـفضت وسقط الكوب ؟ … لا أدري ! انصرفت وأنا لازلت أعيش الذهول ذاته نحو دورة المياه لأنظف ثوبي المتسخ بقهوتي المرتجفة ، وسمعت أسم ” موهمد ” أخيراً ويبدو أنه أنا ، تبعت الممرضة  إلى الطبيب الذي أستغرق الأمر معه دقيقتين قبل أن يقول :

– تحتاج مغذي ، وزي ماقلت لك داوم عـ Panadol Cold & Flu

– أوكي ، أي أنا جاي عشان المغذي أصلاً : )

كان آخر ماأذكره ارتباك الممرضة الفاشلة التي عذبتني حتى أستطاعت أخيراً أن تجد طريقها لعروقي وتدس أبرتها فيها!

” مين الكسلان الي يخاف من الأبرة ! ”

كتبتها وتراخت يدي وضاع جهازي في زحمة الأغطية البيضاء وضاع معه أدراكي وأصوات الممرضات  تخفت من حولي بالتدريج ، الصور تتداخل بالتدريج حتى تفقد هويتها ، أختي تضع يديها على أذنيها حتى لا تسمع غنائي ، وجه أمي القلق ، القهوة المنسكبة ، دماء على وجه رجل وآخر يضع آيبود ويسترخي ، وجه الطبيب المرهق وجه الممرضة الحانق ، أنبوبة المحلول الذي يغذيني ،  وانقطع الصوت تماماً ، واندمجت الصور للونٍ واحد أسود و أنقطعتُ أنا و … نمت بعمق …

:

:

* موهمد = محمد … كالد = خالد p :

* مصدر الصورة .

28 thoughts on “حكايا شتاء 2

  1. لكل اللذين مروا من هنا ولم أعطهم حقهم من الردود .. لكل واحد منكم ألف شكر .. لكل حرف تكتبونه هنا سعادة كبيرة ..

    شكراً لكم جميعاً يا أحبة ، وجودكم يسعدني دائماً ..

    Like

  2. جميل جداً ماخط قلمك .. أسلوب رقيق .. وحكاية مليئة بالدفأ .. بالتوفيق لكم ^^

    “المدونة جميله أعجبني الطرح الموجود ..شكراً لكم على أفكاركم”

    د. معوق

    Like

  3. تفاصيل فاتنة
    وكأني اشاهده الآن على مسرح خشبي وأنا احتسي المتعة..!

    تجيدين الشتاء وهمهماته وتعرفين أكثر حجم الفكر الذي يتربص بي وأنا بالصف الأول ومحدقة.

    (F)

    Like

  4. مررت على عجلٍ من هنا وسأعود ..
    أسولبك أرق من الحرير المطرز بالندى ..
    حكايا شتاء يملؤها الدفء .. أسجل إعجابي بقلمك .. وقدرتك الرائعة على السرد

    دمت متألقة

    Like

  5. أهلن سوووري كنت غلطااااانه في ردي
    اقصد نوره بس مو أنتي >_<”

    مررررررررررررررررررره سوووري

    واعملي له دلييت ,,

    بالمناسبه اطلعت ع تدويناتك قمممممه في الروووووووعه

    شديتينيي جدددددد !

    واصلّي ~

    Like

  6. مرحباا, نوووووره كيييييفك ؟؟

    وحشتيننننننننننني يالدوبا بالقاطعه وييينك ؟؟

    الدونييا كتكوووته وصغييره جددد

    أحبك يالوعه !

    Like

  7. كنت ومازالت وسوف أظل

    أن أختنا نورة

    تملك قلم يأخذك إلى أدق تفاصيل الحرف

    أتيت هنا أسجل أعجابي اللامحدود

    Like

  8. تدري من التناحة لما وصلت:ركبت سيارتي وقدتها ببطء
    وقفت وسألت نفسي : من متى نورة تسوق!

    والهاء في عايش: حسبت إنها سقطت سهواً
    ؛
    روعه يانوارتي روعه 🙂

    Like

  9. كوكيز :

    الله يخليك يا حلوة .. تسلمين .. منورة : )

    ـــ

    نوفة :

    شكراً لكِ ، ولمتابعتك ولرأيك ، تشرفيني يا طيبة : )

    ـــ

    نوني الحصين :

    أهلاً بالسمية : )
    وجودك الأروع يا حلوة : )

    ـــ

    Toop :

    ووجودك بعد غياب رائع أيضاً .. أهلاً أهلاً أهلاً : )

    ـــ

    S.A.R.A.H :

    هههههههه ، قاتل الله الكسل يا سارة ، ربما لأني مزاجية حين أكتب ، لذلك لا أنتظم في التدوين :
    ألف شكرٍ على رأيك الذي أسعدني حقاً : )

    Like

  10. صراحه مررررررررررررررررررررررره خطيرة المدونه الله يحفظك من كل شر ان شاء الله  

    Like

  11. هههههههه قصه ممتعة خصوصاً ادمانه هو و يا البي بي

    كل شئ يكتبه القصه ماشاء الله مشوقه و تجبر الشخص يقرأها للنهاية

    واصلي ابداعك متابعين فنحن نريد المزيد من الحكايا:)

    Like

  12. يااااي مرة تجنن القصة والاسلوووب الاروع
    تحمسسسست مرة وانا اقراااهااااا
    عقبال مانقرا روايات للمبدعه نورة ❤

    تسلم انامل الذهبية اللي خطت هالحروووف

    Like

  13. rawnaq :

    شكراً لك ياعزيزتي على لطفك : )
    بالنسبة لي أعتدت على المغذي كل شتاء تقريباً عندما أصاب بالحمى ..
    لا أكرهه ، بالعكس ، أشعر أنه بداية الراحة من بعض الألم ..
    شكراً لكِ مرة أخرى أسعدني رأيك كثيراً ..

    ــــ

    NORA :

    شكراً لكِ يانورة ، يسعدني أنك أستمتعتِ هنا : )

    ــــ

    عتبات السماء :

    شكراً لك ، وأنا معجبة مثلك بتلك الصورة التي أبدع المصور في فكرتها !

    Like

  14. ماشاءالله ..

    اسلوبك مرره جميل في تصوير احداث القصه.. باختصار مبدعه ..

    بانتظار الثــالثه ..

    Like

  15. بالبدايه **

    علشان تعرفي اني على عجله هههه ،،

    بانتظاار حكايا شتاا 3 بفاارغ الصبر ،،

    وعلى سيرة البلاك بيري ،، كل ما افكر باقتناءهـ اخشى يسرقني من زميلات العمل واجواءهم الرائعه : ) ،، جد يسرق الوقت وكان الواحد ناقصه يكفي اللاب توب 😦 ،،

    آلم محمد ذكرني بآلم شخص عزيز وغالي خسارهـ يتعب الواحد ويتالم ويغفى وما احد قريب منهـ ” اكرهـ كلمة مغذي .. تشعرني بآلم ” ،،

    اجبرتييني اقرء مستمتعه ومنتظرهـ بفارغ الصبر المشاعر او الذكرى اللي رح تجبرني قصتك الثالثه على تذكرها 🙂 ،،

    Like

  16. رائع جداً سردك وممتع حقاً ،،

    بالدبايه شعرت باني على عجله وما عندي وقت اقرء لكن شدتني الطفله اللي استعارت جاكيتك الجينز ،،

    امم جعلتييني استعييد ذكرياااتي الدرااسيه وايام جميله للاسف كبرنا عليها ،،

    شاكرهـ وممتنه ،،

    Like

  17. آلاء :

    تريدين سكارفات زارا إذن ؟
    في منامك يا حبيبتي D:
    نحن فقط من يحق لهم التمتع بها وسط الصحراء ، أما أنتي فيكفيكِ تيشيرتٌ أنيق حتى تشعري بالدفء في جدة D: << ياويلي ياويلي ..

    كوني هنا دائماً يا رفيقة ، وإياك والمقارنة فأنتِ تحرجينني أمام ماتكتبين:$
    ماأجمل وجودكِ يا آلاء ، يعني لي الكثير ..
    ـــ

    محمد :

    شكراً يا محمد ، أسعدني وشرفني رأيك ..
    شكراً لمتابعتك وعسى ألا أخيب الأمل !

    ـــ

    مكتوم :

    يرحمك الله : )

    رأيك يشرفني ياعلاء،أسعد بحق بمتابعتك ، كل ماأتمناه هو ألا أخيب ظنكم في ما يرتقي بذوائقكم الجميلة ..

    شكراً شكراً شكراً على هذا الدعم ..

    ___

    عبدالرحمن :

    بالمناسبة ماأحب البلاك بيري تراي !، أحس أنه يقهر مايخلينا نسولف كل وحده عينها على الشاشة ! ، الحمد لله أني مابعد طحت فيه ، بس دخلته بالقصة لأن مواقفه من جد كثيرة واشوفها قدامي : )

    شكراً يا عبدالرحمن ، سعيدة بمتابعتك : )

    Like

  18. دخلات البلاك بيري في القصه ضحكتني 😀
    حكايه ابدعتي في تصويرها يا نورة

    مثل ما قال مكتوم .. واصلي واصلي واصلي ، بالثلاث : (

    Like

  19. يا ألله!

    والله إني عطست أكثر من مرة أثناء قراءة هذه الحكاية رغم أني متعافي! ولكنه اندماجي مع هذا الوصف الدقيق والمعجز للضعف والألم المصاحب للحمى والالتهابات.

    لا أظن أنه يمكن لانبهاري أن يخبو يوماً مع كتاباتك وحكاياتك.
    ولا يمكن أن أسأم طريقتك في رسم التفاصيل.

    حينما أصاب بالحمى -كفاكم الله شرها- دائماً أتمنى أن أنسلخ روحاً من جسدي المنهك وأسبح أياماً في هذه الدنيا حتى يتعافي جسدي. (< احلف)

    واصلي واصلي واصلي.

    Like

  20. مبدعة يانورة ..

    كل يوم أكتشف شيئاً جديداً فيك ،،

    رائعة ماشاء الله، نص جميل ومؤثر ..

    Like

  21. تعرفين!
    كنت دائماً أتساءل ما الشيء الذي يميّز سرد نورة! كنت أعرف أن ثمة شيء لم أصل له بعد!
    لكنني عرفت الآن!
    تحكين بسرد يخبئ خلفه قلماً لإنسانة تعرف طريق المسرح!
    😛

    أحببتها وجداً..
    حكاياك الشتوية مغرية جداً “بهوت تشوكلت” ومدفئة وسكارفات زارا =$ وليس ثمة برد هنا لأعيش الجو! فـ أطالب بتعويض عن خسائري المعنوية!!

    **هممم..أفكر جداً بأن أعرض عليك مشاركتي صفحتي في تلك المطبوعة! سردك القصصي ممتع! =)

    Like

Leave a comment